عدد الرسائل : 126 العمر : 44 تاريخ التسجيل : 11/04/2008
موضوع: ليتني لم أخذل حصة .. قصة رائعة السبت أبريل 12, 2008 9:29 am
في مجتمع محافظ كمجتمعنا، وفي بيت تُراعى فيه التقاليد والأعراف، ويُكثر أفراده الحديث عن الأخلاق والآداب، كان لابد لأي حديث عن القلب أن يخضع للسرية الشديدة وأحياناً للخجل المربك، ويصبح الإعلان عن المشاعر الخاصة أمراً مستهجنا دون وجود مبرر مقبول لهذا الإعلان، وفي حالة الحب الذي تعيشه بخوف وخجل كانت آخر عناقيدنا تعلم أن إظهار الحب لابد له من موافقة مبدئية ثم إعلان رسمي.
كانت حصه واضحة جداً حين أبلغت أمي أن هناك من يرغب في خطبتها، وأنها تعرفه عن طريق أخته أولاً، ثم عن طريق الهاتف ثانياً، وأن الشاب قد صارحها برغبته في التقدم لخطبتها رسمياً، لم تبد أمي أي اعتراض، بل حددت موعداً لمقابلة الشاب، وبسبب غياب والدي في إحدى سفراته الطويلة طلبت من أخي الأكبر استقبال الخاطب، والتعرف عليه، ورغِبتْ حصه في تواجدي أثناء هذه المقابلة، ثم أصرت على حضوري حين اعتذرت بالمشاغل، قالت: هل يوجد شاغل أهم من مستقبل أختك؟!!.
بدا لي في العشرين من عمره، أنيق الهندام، أسمر البشرة، حسن الحديث، وكانت مقابلتنا أشبه ما تكون بزيارات المجاملة، لم نعده بشيء، وطلبنا منه الانتظار حتى نستطيع التعرف عليه أكثر، وكان الرجل متفهما لهذا كله، قلت له: أمهلنا أسبوع، حتى حضور الوالد، وعسى الله أن يقدم الخير للجميع، حين غادرنا سألتني حصه منفردة عن انطباعي عنه، قلت: يبدو أنه مناسب، لكن لابد من السؤال، قالت: طيب، ثم فاجأتني ببعض المعلومات التي تعرفها عنه، وكان من ضمن معلوماتها أشياء عن عائلته، ثم عقبت هذا لا يهم، نحن معتدلون في هذه الأفكار، المهم أن تكون أخلاقه عالية، أليس كذلك؟!! سكتُ ولم اعلق، أحسست أنها تحب الشاب، وأنها ترغب في موافقتنا على خطبته.
بعد يومين، قال لي أخي بعد أن أجرى تحرياته:
جيد يعمل في وظيفة ممتازة، المستقبل أمامه واسع، مؤدب، متدين باعتدال، بعيد عن مساوئ المراهقين، ولكن هناك مشكله.. ولم أفهم المشكلة بعد كل ما تقدم حتى قال لي بهدوء: عائلته، هم من وسط اجتماعي أقل، قلت: المال لا يهم، كلنا بدأنا فقراء، أبتسم لي متابعاً: بل أقصد الأصل والنسب، وقدم لي بعض التفصيلات.
حين راجعت أوضاعنا الاجتماعية، وعصبياتنا القبلية، تأكد لي إننا نواجه عقبة كأداء وليس مشكلة صغيرة يمكن حلها بالاعتدال كما تتوهم أختي الصغيرة، عقبة لا يمكن الخروج منها إلا بتمرد عنيف يبدأ من حصه نفسها، تمرد سأكون أنا المعتدل الذي ترتجي عونه أول من يقاومه وربما بعنف شديد، ولكي يخفف أخي من أثر الصدمة ذكّرني بأن أمنا أيضا ليست من أصول عربية صريحة، ثم أخبرني أن الرجل وبهدف تعريفنا بعائلته يدعونا إلى العشاء في منزله، وافقت لأجل حصه مرة أخرى، فقد أصرت أن أقبل هذه الدعوة. كان بيتهم كبيراً، ولأمر ما أحس الشاب أن الموافقة ستصدر مني أن صدرت وليس من أي أحد آخر، لذلك بالغ في مجاملتي حتى الإحراج، عرفني بأنسابه كان احدهم اسود اللون (عبد، كما قالت لي نفسي حين رأيته)، وكان الحوار أثناء العشاء سيئا جداً بمقاييس بيتنا حيث نراعي ألفاظنا حتى مع أقرب الناس إلينا، ودار الكلام كله حول ما نعتبره سخافات، وأحاديث لا تنفع، ومزح ومداعبات سمجة، حتى طريقة إعداد الأكل وديكور الصالون ونوعية الضيوف لم تناسبني.
حين خرجنا من المنزل، كان وجه أخي مختلفاً، سألني عن انطباعي قلت له بنزق: قل لأختك (لا تورطنا) مع هؤلاء الناس…هؤلاء (ما يناسبونا) إطلاقاً، هم من طبقة اجتماعية تختلف عنا، هم شيء مختلف، ولأني أعرف أمي قلت له: أطلب من أمك أن توجه دعوه لعائلته: أمه وأخواته، وافقت أمي ووجهت لهم هذه الدعوة، وحين غادرت عائلة الشاب منزلنا، قالت أمي بهدوء..(لا)..وكانت لاؤها كبيرة جدا، وحاسمة جدا..وبررتها بأسباب اجتماعية بحته. حين استنجدت بي أختي في اليوم التالي خذلتها بلطف شديد، اعتقدت أنها إذا أقنعتني فسنستطيع معاً إقناع البقية برأينا (وكنت أقدر على ذلك لو أردته) لكن دون جدوى، في المساء اتصلتُ بأخينا دون علمها وقلت له أن حصه لن تتزوج هذا الشاب أبدا، وأن عليه بصفته أخوها الأكبر أن يعتذر له بلباقة وأدب ودون إحراج.
بكت حصه، وحاولت دفعي لأكون أقوي من التقاليد العائلية، وحاولت من جهتي إفهامها أن المجتمع أقوى منا بكثير، وأن أهلنا لن يرحموها أبداً، وذكرت لها صادقاً أن الاتصالات قد بدأت من بعض أعمامنا مذكرة بأهمية المحافظة على التقاليد، وأهمية أن نكون كما كنا دائما واعيين لقراراتنا بزعمهم، وأن هذه المكالمات ... وأن هذه المكالمات تحمل في طياتها صوراً غريبة من التهديد، أخيراً وافقت مكرهة على أرائنا، ولم يكن من طبيعتها التمرد، كانت أقرب إلى والدي في طبيعته الصابرة منها إلى أمي في طبيعتها العنيفة..مع مرور الأيام أحسست أنها نسيت الموضوع وحاولنا معا كأخوة إشغالها بالعزائم والحفلات العائلية والموافقة على ذهابها لكل الأعراس الصيفية والمناسبات الخاصة، وبذلنا لها الكثير من أموالنا، وحين حضر والدي لاحقا لم نخبره بشيء، وتعاملنا مع الموضوع وكأنه لم يكن..
بعد سنتين تقدم لها أبن خالها، لم توافق عليه بداية، أصرت على الرفض، وأصر أبي وأمي على الموافقة بأسلوب الوالدين، أي الإلحاح الشديد ومحاولات الإقناع المشوبة بعواطف الرحم والقرابة، وتحت الضغط المتواصل وافقَت، ورفضت أنا، كنت أعلم أنها توافق مجاملة لهم، وكنت أعلم أيضا أن ابن خالي شاب سيء بأغلب المقاييس، شرحت وجهة نظري لوالدي ولأمي قلت لهم : لا، أنتم تخطئون، لكن حصه خذلتني بموافقتها هذه المرة، هي أيضا أخطأت: ربما قررت الانتقام لرفضي الأول لكن على حساب سعادتها ، رفضت حضور حفل الخطوبة أولاً، ورغم أنفي تواجدت في حفل الزواج حتى لا أظهر بمظهر المعارض، لكنهم جميعاً كانوا يعلمون أني قلت: لا، بعد سنتين انتهى هذا الزواج بالطلاق دون أبناء.
تزوجت حصه مرة ثانية لاحقاً، وأنجبت طفلين رائعين، لكني مازلت أشعر أنها غير سعيدة، وما زلت أحاسب نفسي على خذلاني لها في تلك السنوات التي احتاجتني معها، هل أخطأت بحرماني لها من الرجل الذي أحبها وأحبته؟
هل أصبت؟
لا أدري، ولا أعرف كيف كانت ستكون العواقب لو لم أعترض، لربما كانت اليوم أكثر سعادة، وأكثر جمالاً وفرحاً.
سنوات مرت على هذه القصة، وحين زرتها مؤخراً طلبت مني أن أوصلها إلى السوق، وأصرت أن أنزل معها ونتمشى أمام الناس من محل إلى محل، وعبرت أيضا عن رغبتها في أن نتعشى معا في مكان عام، فعلتُ هذا كله مجاملة لها، وأخذا بخاطرها كما نقول في الخليج، حين عدنا إلى بيتها قالت لي: لم تسألني لِمَ طلبت منك كل ذلك؟
قلت: عادي، أخوك، وأحببت المشي معي، بس !!! ضحكت وقالت: لا..ليس هذا فقط، لكني أحببت أن تشير إلي البنات والنساء في السوق، ليقولوا لبعضهن، وبينهن وبين أنفسهن: حظها هذي المره…زوجها حلو..، ما يدرون إنك أخوي ضحكت قائلاً: القرد في عين أمه غزال، ابتسمت كما تبتسم الأمهات حين يفخرن بأبنائهن، وحين ودعتها قبلتني على خدي ويدي وهي توصيني بعاطفة جارفة ألا اقطعها من الزيارة…حين ركبت سيارتي عائدا .. دمعت عيناي …. ليتني لم اخذل حصه
منقول
الريم عـــضـــو مــــبــــدع
عدد الرسائل : 142 العمل/الترفيه : طالبة المزاج : شيطونه تاريخ التسجيل : 04/04/2008